نحن مذنبون ومقصرون في حق الله.. هذا صحيح، نقع في الذنب ثم نتوب ثم نعود لنرتكب نفس الذنب، ولأننا لا نستطيع إلا أن نخطئ فهل نيأس، لا بل نتذكر أنه كم من مذنب أراد التوبة فوقف على باب النبي يسأله ماذا يفعل وقد اقترف ما يغضب الله، فأفسح له النبي من صدره وداوى قلبه، فعاد طاهرا من آثار ذنبه، ومتطهرا من الإصرار عليه.. فهيا بنا نقف على باب النبي في صحبة التائبين لنرى ماذا قال لهم الله ورسوله...
أول ما سمعناه في صحبة التائبين على باب النبي هو قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم"، فالحمد لله الذي جعل لنا التوبة بابا للرحمات الإلهية والفيوضات الربانية، فماذا لو لم يتب الله علينا، أين كنا سنذهب بذنوبنا.. كنا لنقنط من أن نعود لرحاب الطهر والإيمان لكنه جل شأنه فتح لنا بابه ليغلق باب اليأس والقنوط بقوله:
"وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيما"..
وليطمئن الرسول الكريم العصاة والمذنبين إلى رحمته تعالى تكلم في الحديث القدسي عن رب العزة: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم".
فما أوسع رحمته تعالى وما أعظم مغفرته..
فيا من هو مثلي أذنب وأسرف على نفسه إن باب التوبة مفتوح ليل نهار والذين وقفوا على باب النبي من التائبين قال لهم الرسول: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"..
وقد يقول أحدنا إني أفعل الذنب ثم أتوب ثم أعود إليه في كل مرة حتى مللت من نفسي. ويجيبه أحد التائبين الذين وقفوا على باب النبي ففي حديث "عقبة بن عامر" رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب، قال النبي: "يكتب عليه". قال: ثم يستغفر منه، قال النبي: "يغفر له ويتاب عليه". قال: فيعود فيذنب. قال النبي: "يكتب عليه". قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال النبي: يغُفر له ويتاب عليه. ولا يملّ اللهُ حتى تملوا".. أخرجه الحاكم في مستدركه..
وفي هذا أن الله لا يمل من كثرة توبتنا حتى نمل نحن.. ومعاذ الله أن نمل من طلب المغفرة منه سبحانه.. فنحن إذا لم نطلب منه هو فممن نطلب وهو القائل: "ومن يغفر الذنوب إلا الله".
ليس لنا ملجأ غيره.. نحتمي به من شرور أنفسنا ووساوس شيطاننا.. ومن جمرة ذنوبنا..
ولنتذكر أن الله سبحانه وتعالى لم يستبعد أن يقع المؤمنون في الذنب بل وفي الفاحشة.. وهي أقبح الذنوب وليفتح لهم باب رحمته بعد معصيتهم قال تعالى:
"واَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَـئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ وَجَنَّـاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـامِلِين"..
ولهذا وقف التائبون على باب النبي.. ليتطهروا وليعودوا إلى رحاب العفة والشرف والطهارة بعد ذنب ومعصية، وليخرجوا من ضيق المعصية إلى سعة التوبة والمغفرة..
فلنطهر قلوبنا ولنقف مع التائبين على باب النبي ونقول:
اللهم اغفر لنا ذنوبنا
وكفر عنا سيئاتنا
وتوفنا مع الأبرار..
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين..
ولنوقن أن الله سيغفر ذنوبنا.. ويرحم ضعفنا.. ويتوب علينا.. فإنه لو لم يكن يريد لنا التوبة ما جعلها تخطر ببالنا.. وما جعل ألسنتنا تنطق بها.. فهو القائل سبحانه "فتاب عليهم ليتوبوا".. فإننا لن نستطيع أن نطلب التوبة إذا لم ييسر الله لنا أن نطلبها.. فهو متفضل علينا بأن نتذكر التوبة ونطلبها.. وهو المتفضل بقبولها..
فلتنشرح صدورنا.. ولتطمئن قلوبنا إلى توبته علينا وقد وفقنا إلى أن ندعوه بها.. ونطلبها منه.. إنها دعوة لأن نقف على باب النبي في صحبة التائبين..
فقُل السلام عليك يا رسول الله.. إني أتيتك تائبا فادعُ لي الله أن يتوب عليّ.. وإني أستغفره من كل ذنب وخطيئة وأتوب إليه..
وانظر وأنصت
لعلك تستمع إلى صوت النبي الكريم في نفسك
وهو يرد عليك بقوله:
اللهم تب عليه..
اللهم اغفر له..
اللهم ارحمه..
صلوات الله تعالى وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله.