إنها حبيبة رسول الله وريحانته وراحة قلبه وأول من لحق به بعد موته من نساء آل البيت، زوجة البطل الذي لن يجود الزمان بمثله، أشجع الرجال سيدنا "علي" كرم الله وجهه، إنها الكريمة العفيفة الطاهرة الصابرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها..
وقد حاول الكاتب أن يجمع لنا ما تيسر عن حياتها، ولأن حياتها أكبر وأعظم من أن يحدها كتاب، فقد عمد الكاتب -الأستاذ "عبد البديع عبد السميع كفافي"- إلى أن يأخذ قطرة من بحر حياتها الزاخر نروي بها الظمأ، وتتشربها الأرواح التواقة لحقيقة معنى الجمال الذي هو جمال الخلق الكريم، والمعرفة الواسعة النقية..
إنها الحسيبة النسيبة
يذكر الكاتب شارحا حسبها ونسبها، أنها "فاطمة" الزهراء التي ولدت في 20 جمادى الآخر في العام الخامس بعد البعثة، بنت أشرف خلق الله وأعظمهم قدرا عند الله نبينا "محمد" صلى الله عليه وسلم، أما الأم فهي حبيبة رسول الله، السيدة "خديجة بنت خويلد"، سيدة قومها، صاحبة القلب الكبير، التي حملت مع نبينا المصطفى عبء الدعوة، والتي أحبت الله ورسوله فأحبها الله ورسوله.. إذن فسيدتنا "الزهراء" ذات حسب ونسب شريفين في الأرض وفي السماء..
لمحات من حياتها العطرة
إن الحديث عن مناقب آل البيت النبوي يحير الألباب وتعجز أمامه الأقلام، فكيف وقد قال الله فيهم: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، وما أراده الله كان، فهم الطاهرون المطهرون، وهم مصابيح الهدى والرضا للمؤمنين، ويكفي قول الحق لنبيه "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى"، فحبهم ومعرفة أخبارهم وجهادهم من الأمور التي تثبت اليقين وتقوي العزائم وتطهر القلوب.
فها هي "فاطمة" رضي الله عنها وهي في مقتبل العمر تفقد أمها في عام يطلق عليه عام الحزن وأصبحت تحمل في البيت النبوي راية الأم وراية الابنة، فأحاطت النبي بذراعي الحب والحنان، وطوت الحزن بداخلها تخفيفا على نبينا وعلى أخواتها "زينب" و"أم كلثوم" و"رقية" فجيعة فقد الأم ومسئوليات الدعوة، حتى طاب لنبينا الكريم أن يدعوها بـ"أم أبيها"، ولقبت بالزهراء -أي المنيرة- والتي ملأت بيت الأب بنور وجهها وخلقها وصبرها وحنانها... فكانت -رضي الله عنها- الصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والزهراء. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن اسم "فاطمة" جاء للإشارة إلى أنها مذ خُلقت فُطِمت عن الشر. فلا عجب بعد ذلك أن يقول النبي عنها: "فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله". ويقول: "فاطمة سيدة أهل الجنة".
زواج الطهر للطهر.. والنور للنور
عندما بلغت "فاطمة الزهراء" -رضي الله عنها- التاسعة من العمر بدا عليها كل ملامح النضوج الفكري والرشد العقلي فتقدم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان يردهم بلطف معتذراً بأن أمرها إلى ربها.
وخطبها "علي" -رضي الله عنها- فوافق النبي صلى الله عليه وسلم ووافقت "فاطمة" وتمّ الزواج على مهر قدره خمسمائة درهم، فباع "علي" درعه لتأمين هذا المهر ولتأثيث البيت الذي سيضمهما فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلق به القربة واشترى جرةً وكوزاً، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف.
لقد كان هذا البيت المتواضع غنياً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الإيمانية العالية فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الألفة والوئام والحب والاحترام.
وكان نتيجة لهذا الزواج أن أنجبا "الحسن" و"الحسين" و"زينب" رضي الله عنهم أجمعين.
موقف.. لا ينسى
كانت السيدة الزهراء تقوم بطحن الطعام باستعمال الرحى حتى تركت أثرا في يديها الشريفتين، ومع قلة المال وكثرة الصيام، أخذها الإعياء فأرادت أن تطلب من النبي أن يمنحها خادمة من الأسرى تعينها على قضاء حوائجها، فلما استحت أن تفعل ذلك ذهب معها سيدنا "علي" كرم الله وجهه ليشرح حالها فما كان من النبي وهي أحب خلق الله إليه إلا أن قال لها ولـ"علي" كرم الله وجهه:
"لا والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم.. ولكن أبيع وأنفق عليهم بالثمن.."
وقد صدق الله العظيم: "وإنك لعلى خلق عظيم"، تحرم حبة عينيك من المساعدة من أجل فقراء المسلمين، فلننظر في أمر تلك التي رفض طلبها حين تأتي يوم القيامة.. فقد روى "الحاكم" عن الإمام "علي" كرم الله وجهه أن رسول الله قال:
"إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجب: يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر"..
كلمات..
لقد فرح النبي بذرية "فاطمة" والتي حملت النور المحمدي من بعده، فها هو يسأل "عليّا" عند مولد "الحسين": ماذا سميتم ابني؟
فيقول "علي": "حربا"
فيقول النبي : بل "حسين"
ثم يقول عنه: "حسين مني وأنا من حسين".
وها هو يقف على المنبر و"الحسن بن علي" إلى جواره ويستمع الصحابة إليه وهو يقول: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين"، وقد تحقق هذا بالفعل...
وها هو يسعد بميلاد رئيسة الديوان، وأم العواجز، وعقيلة آل البيت النبوي "زينب" رضي الله عنها وأسماها على اسم خالتها "زينب" الكبرى، تلك الشخصية التي عاشت في نعيم روحي وتغذت من شهد الرضا الرباني، ثم تحملت أقدارا فوق ما تستطيع أن تحتملها الجبال...
إن الكتاب يتجول بنا سريعا، وكأنه فقط يريد أن يقول لنا: ما أحوجنا إلى أن نتعرف على آل بيت نبينا، كم نحن مقصرون في حقوق أنفسنا حين لا نصل أنوار قلوبنا بأنوارهم، ومحبتنا بمحبتهم...
وإن كان لي أن أختتم التعريف بهذا الكتاب فبكلمات أرسلتها السيدة البتول "فاطمة الزهراء" عندما أفجعها موت أبيها سيدنا "محمد فقالت:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها
وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا
لما نعيت وحالت دونـــك الكثب
نعم إنها "فاطمة" التي اعتادت وأهلها الصيام، وقدمت إفطارها حبا لله تعالى فأطعمت اليتيم والمسكين والأسير به، فأنزل الله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة في حقها وأهل بيتها فيقول:
"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا"..
فاللهم أكرمنا بحب نبينا، وبحب آل بيت نبينا، فمن أحبهم فقد أحب النبي، ومن أحب النبي فقد أحب الله، ومن أحب الله فقد فاز فوزا عظيما... فاللهم عرفنا على أهل بيت نبيك الأطهار الأبرار وتقبل منا محبتنا لهم ولصحابة رسولنا أجمعين..